في ليلة الأحد على ملعب حديقة الأمراء، لم يضف باريس سان جيرمان فصلًا جديدًا في سيطرته على الكلاسيكو أمام مارسيليا (3-1) فحسب، بل أثبت أيضًا حتمية تتويجه بلقب الدوري الفرنسي.

وبات سان جيرمان على أعتاب التتويج بالدوري الفرنسي، في ظل تربعه على عرش الصدارة برصيد 68 نقطة، بفارق 19 نقطة كاملة عن مارسيليا أقرب ملاحقيه.

ومع ذلك، كان اللقاء ضد مارسيليا بمثابة فخ محتمل للباريسيين الذين خرجوا للتو من ملحمتهم الأوروبية في أنفيلد أمام ليفربول في دوري أبطال أوروبا.

وعبر باريس سان جيرمان عقبة ليفربول بركلات الترجيح، ليضرب موعدًا مع أستون فيلا في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.

كان من المفترض أن تترك هذه مباراة ليفربول الشاقة آثارًا جسدية ونفسية، لكن رغم الأداء الأقل توهجًا مقارنة بالعروض السابقة، فرض باريس نفسه بأسلوب حاسم أمام أولمبيك مارسيليا الذي امتلك الطموح لكنه افتقر إلى الفاعلية.  

هذا الفوز، الذي تحقق دون سيطرة مطلقة ولكن ببراجماتية لا ترحم، يعكس جوهر الديناميكية الحالية لباريس سان جيرمان: الفوز حتى دون الإبهار. وهذا الانتصار يندرج ضمن سلسلة مذهلة تضع الفريق على قمة كرة القدم الفرنسية والأوروبية.

لم يعد السؤال حول ما إذا كان باريس سيفوز، بل كيف وبأي فارق؟ هذه الهيمنة الطبيعية، التي تكاد تبدو بديهية، تتجاوز مجرد النتائج لتصبح راسخة في الوعي الجماعي لكرة القدم الأوروبية.  

والآن ما الذي يمكن استخلاصه من هذا الفوز الجديد لكتيبة لويس إنريكي أمام خصمها التاريخي، بعيدًا عن مجرد النتيجة؟

يرصد موقع "جول" 5 استنتاجات رئيسية تبرز من الانتصار على مارسيليا تؤكد المسار التصاعدي لفريق يبدو أنه وجد إيقاعه المثالي.  

شهية مفتوحة  

لم يكن هذا مجرد انتصار آخر على مارسيليا، بل تأكيد لفريق يتملك شغفًا هائلاً رغم الجدول الزمني المزدحم.

فبعد 120 دقيقة من القتال في آنفيلد، كان من الممكن أن يخفف الباريسيون من إيقاعهم في الكلاسيكو، لكن العكس حدث، حيث دخلوا المباراة بعقلية احترافية مثالية، مما يؤكد أن طموحهم يتجاوز مجرد التأهل الأوروبي، مهما كانت قيمته.  

لويس إنريكي لخص الأمر قائلاً: "لقد كان أسبوعًا مذهلًا بالنسبة لنا. نحن نركز بالفعل على المواعيد المقبلة".

باريس سان جيرمان يظهر وكأنه يسعى وراء كل انتصار كما لو أن خزائنه خالية من الألقاب، وهذا الإصرار يذكّر بحقيقة لا تتغير في الرياضة: الشهية تزداد كلما حققت المزيد من النجاح.  

إشادة بالإجماع: باريس في قمة أوروبا  

تمتلك كرة القدم حقائق تتجاوز أحيانًا أشرس الخصومات. عندما يعترف روبيرتو دي زيربي مدرب مارسيليا صراحة بأن فريقه واجه "ربما أفضل فريق في أوروبا"، فإن كلماته تحمل وزنًا خاصًا.

هذا الاعتراف لم يكن معزولاً ولا عرضيًا. قبله، أشاد أرني سلوت، مدرب ليفربول، بأداء باريس بعد مواجهتهما الملحمية في دوري الأبطال، حتى بيب جوارديولا، مدرب مانشستر سيتي المعروف بندرة إشادته بالمنافسين المباشرين، وصف باريس مؤخرًا بأنه المعيار الجديد في كرة القدم الأوروبية.  

هذا الإجماع على الثناء يؤكد حقيقة يصعب إنكارها: الفريق الذي بناه لويس إنريكي يجمع بين الإعجاب والعجز لدى أقوى منافسيه.

بعيدًا عن النتائج، فإن ما يبهر في أداء باريس هو شدته، وانضباطه التكتيكي، وذكاؤه في التحكم بإيقاع اللعب. إنه فريق يتقن فن توجيه الضربات دون أن ينكشف، والسيطرة دون أن يترنح، والتسريع في اللحظة الحاسمة.

في مواجهة هذه الآلة التي لا ترحم، حتى أكثر المدربين دهاءً يجدون أنفسهم مجبرين على الاعتراف بأن الفريق الباريسي يلعب في بُعد آخر، حيث يصبح حتى مدح الخصم الأكثر عدائية أمرًا لا مفر منه.

الهدوء الثابت

يتقدم باريس سان جيرمان الآن بدافع من طمأنينة لا يبدو أن شيئًا قادر على زعزعتها. كل مباراة تعزز هذا الانطباع عن ماكينة ساحقة تعرف متى تضرب دون الحاجة إلى التألق طوال الوقت. أمام مارسيليا، لم يكن على الباريسيين تقديم أداء مبهر لإثبات تفوقهم.

ورغم الإرهاق الناجم عن المواجهة ضد ليفربول، لم يبدوا في أي لحظة مهددين فعليًا، حيث فرضوا سيطرتهم الجماعية بكل وضوح.  

ما يلفت النظر، مباراة بعد أخرى، هو هذا التمكن في إدارة فترات التراجع، حيث يبدو أن باريس يتعمد التخفيف من ضغطه لالتقاط أنفاسه قبل توجيه الضربة القاضية.

هذه القدرة على التحكم في إيقاع المباراة، مع منح الخصم وهمًا عابرًا بوجوده في اللقاء، تُعد واحدة من سمات هذا الفريق بقيادة لويس إنريكي.  

أكد هذا الكلاسيكو مجددًا مدى الثقة المطلقة التي يتمتع بها لاعبو باريس، حتى عندما تجبرهم الظروف على اللعب بأقل مجهود. دون الحاجة إلى التألق طوال 90 دقيقة، يعرفون متى يكونون حاسمين في اللحظات المناسبة.

هذا التحكم المطلق، المقرون بحسم لا يرحم، يجعل باريس سان جيرمان اليوم فريقًا يكاد يكون لا يُمس، قادرًا على معاقبة أي هفوة بأداء جليدي وفعّال إلى أقصى حد.  

نقطة ضعف

السعي إلى الكمال المطلق لا يسمح بأي تهاون، حتى للفرق المهيمنة، وباريس سان جيرمان تحت قيادة لويس إنريكي، الذي يكاد يكون بلا أخطاء على المستوى التكتيكي والعاطفي، لا يزال يكشف عن ثغرة طفيفة: هشاشته النسبية في التعامل مع الكرات الثابتة.

لم يفضح هذا الكلاسيكو أمام مارسيليا هذه النقطة تمامًا، لكنه أعاد التذكير بأنها قد تصبح تهديدًا أكثر وضوحًا أمام خصوم أوروبيين أكثر دهاءً، خصوصًا مع اقتراب المراحل الحاسمة، حيث تتحول أدق التفاصيل إلى عوامل حاسمة.  

يملك باريس دفاعًا محكمًا في اللعب المفتوح، لكن التعامل مع الكرات الثابتة يتطلب يقظة قصوى وانضباطًا لم يصل بعد إلى حد الكمال.

أمام مارسيليا، تسببت بعض الركلات الركنية والكرات الثابتة غير المباشرة في لحظات توتر، لم تكن لها عواقب فورية، لكنها كانت حقيقية. من السهل تصور أن فريقًا أكثر استغلالًا للفرص من مارسيليا كان يمكنه الاستفادة من هذه الهفوات بفاعلية أكبر.  

مع اقتراب المواجهات القارية الحاسمة، حيث يصبح لكل تفصيلة وزنها، قد تتحول هذه الثغرة البسيطة اليوم إلى نقطة حاسمة غدًا.

ويدرك لويس إنريكي، المعروف بدقته الشديدة، ذلك تمامًا، ومن المؤكد أنه سيجعل معالجة هذا القصور أولوية قصوى، لضمان ألا تتحول هذه العيوب إلى فجوات قاتلة أمام المنافسين الأوروبيين.  

باريس سان جيرمان لا يُقاوم... إلى متى؟

مع فرض سيطرته بشكل شبه ميكانيكي، يثير باريس سان جيرمان تساؤلًا لا مفر منه: هل يمكن لهذا التفوق أن يستمر إلى الأبد؟.

صحيح أن الانتصارات تتوالى، والفريق يثير الإعجاب بثباته وقدرته على حسم المباريات بسهولة، حتى مع تراكم الإرهاق. لكن تاريخ كرة القدم الحديث أثبت مرارًا أن مثل هذه الهيمنة يمكن أن تنهار فجأة، بسبب أقل خلل في المنظومة.  

يبدو أن لويس إنريكي نفسه مدرك لهذه الهشاشة الملازمة لكرة القدم على أعلى المستويات.

وبعد الفوز على مارسيليا، شدد المدرب الإسباني على ضرورة البقاء متيقظين: "لم نكن بالسلاسة المعتادة، لكننا استحققنا الفوز. نحن نمر بفترة رائعة، لكن لا أعرف ما الذي ينتظرنا في المستقبل"، وتعكس هذه الكلمات الحذر الضروري والوعي بالحقيقة الحتمية في الرياضة: لا يوجد تفوق دائم.  

التحدي الأكبر لباريس سيكون الحفاظ على جوعه الدائم لتحقيق الانتصارات، والاستمرار في رفض الشعور بالرضا، حتى عندما يبدو كل شيء مضمونًا.

في الدوري الفرنسي، باتت المنافسة أشبه بمونولوج باريس سان جيرمان، لكن الامتحان الحقيقي ينتظره على الساحة الأوروبية، حيث يمكن أن يصبح التفوق المحلي فخًا يوهم الفريق بأنه لا يُقهر.

ويبقى الخطر الأكبر الذي قد يواجه هذا الفريق، الذي يبدو بلا مقاومة حاليًا، هو الوقوع في فخ الاقتناع بأنه أصبح كذلك بالفعل.