شهدت الأيام الأخيرة جدلاً واسعاً في الأوساط الرياضية المصرية حول الارتفاع الجنوني في أسعار بيع اللاعبين المحليين، وتصدرت صفقة انتقال نجم الزمالك أحمد سيد "زيزو" المشهد كأحدث وأغلى حلقة في هذه السلسلة المتصاعدة.

يرى البعض أن هذه الصفقات مؤشر على تطور الكرة المصرية وقيمتها السوقية، بينما يرى آخرون أنها فقاعة تهدد استدامة الأندية وتجاهل لأولويات أخرى أكثر إلحاحًا في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

لا يمكن فصل الحديث عن ارتفاع أسعار اللاعبين عن الواقع الاقتصادي الذي يعيشه المواطن المصري، ففي الوقت الذي يعاني فيه كثيرون من تداعيات ارتفاع الأسعار، بما في ذلك الزيادات المتكررة في أسعار الوقود التي تمس حياة كل مواطن بشكل مباشر، تبدو المبالغات الفلكية التي تُدفع في صفقات اللاعبين وكأنها من كوكب آخر.

صفقة زيزو، التي لم يتم الإعلان عن تفاصيلها الرسمية بعد، لكن الأرقام المتداولة حولها تثير الدهشة والاستياء في آن واحد. ففي حين يكابد المواطن لتوفير ثمن الوقود اللازم لتسيير حياته اليومية، تتداول الأندية ملايين الجنيهات بسخاء لضم لاعب، مهما كانت موهبته وقيمته الفنية.

هذا التناقض الصارخ يولد شعورًا بالفقر لدى الكثيرين، الذين يرون أن هذه الأموال الطائلة كان من الأولى توجيهها نحو مشاريع تنموية أو تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.

من المؤكد أن كرة القدم صناعة ولها اقتصادها الخاص، والأندية تسعى لتعزيز صفوفها لتحقيق البطولات وجذب الجماهير، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكن لهذا الإنفاق المبالغ فيه أن يستمر في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة؟ وهل تتحمل الأندية المصرية هذه الأعباء المالية على المدى الطويل دون التأثير على استقرارها المالي؟.

السادة الأعزاء مجالس إدارات الأندية المصرية، إن ارتفاع أسعار اللاعبين لا يعكس بالضرورة قيمة حقيقية أو عائدًا استثماريًا مضمونًا، فكم من صفقات باهظة الثمن لم تحقق المرجو منها وأصبحت عبئًا على خزائن الأندية؟ إن التركيز المبالغ فيه على استقطاب النجوم بأسعار فلكية قد يأتي على حساب تطوير قطاعات الناشئين والاستثمار في البنية التحتية للأندية، وهي الأسس الحقيقية لبناء كرة قدم مستدامة وقوية.

الغضب المتصاعد بين قطاعات من الجماهير ليس مجرد حسد أو ضيق من نجاح لاعب أو نادٍ. إنه تعبير عن شعور أعمق بالإحباط من ترتيب الأولويات وتجاهل الأوضاع المعيشية الصعبة. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه المطالبات بتحسين الخدمات الأساسية وتوفير فرص العمل، تبدو صفقات كرة القدم الباهظة وكأنها رفاهية لا يمكن تحملها أو فهمها.

إن صناعة كرة القدم في مصر بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة. يجب أن يكون هناك توازن بين الطموح الرياضي والمسؤولية الاقتصادية والاجتماعية. لا يمكن للأندية أن تعيش في معزل عن الواقع، وأن تتجاهل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها غالبية الشعب.

إلى وزير الشباب والرياضة ومجلس النواب يجب على الحكومة المصرية أن تضع في قانون الرياضة حدًا أدنى وأقصى لأجور لاعبي كرة القدم والألعاب الرياضية كافة، فلا يجوز أن يكون الحد الأدنى للشاب المصري 6 آلاف جنيه من الأطباء والمهندسين وغيرهم وهناك من يأخذ في الساعات ما يتجاوز 4 ملايين جنيه في الدوري المحلي.

صفقة زيزو، بغض النظر عن قيمتها النهائية، أصبحت رمزًا لهذا التضخم غير المبرر في أسعار اللاعبين. إنها دعوة للتفكير مليًا في مستقبل كرة القدم المصرية وأولوياتها، وفيما إذا كانت هذه الفقاعة السعرية ستنفجر يومًا ما تاركة وراءها أندية مثقلة بالديون وجماهير محبطة تتساءل عن جدوى هذه الملايين المهدرة في عالم كرة القدم.

الربط بين غضب المواطن من ارتفاع الأسعار بشكل عام، وارتفاع أسعار اللاعبين بشكل خاص ليس ضربًا من الخيال، بل هو انعكاس لشعور عام بأن هناك خللاً في سلم الأولويات من قبل الأندية المصرية واتحاد الكرة، وأن كرة القدم، التي من المفترض أن تكون مصدرًا للبهجة، قد أصبحت مصدرًا للاستياء لدى الكثيرين.