مهما كانت الحالة التي يمر بها تشيلسي فإنه يدخل دائمًا بثقة عندما يزور توتنهام ملعب ستامفورد بريدج. فسجل السبيرز هناك بائس تمامًا، وسيسعى البلوز إلى استغلال هذا التفوق النفسي لتحقيق انتصار في أمس الحاجة إليه اليوم الخميس في الجولة 30 من البريميرليج.
فريق إنزو ماريسكا أنهى فترة التوقف الدولي لشهر مارس/آذار وهو في المركز الرابع في الدوري الإنجليزي الممتاز، مع العلم أنه حتى الآن فإن المركز الخامس قد يكون كافيًا لضمان التأهل إلى دوري أبطال أوروبا.

Video Player is loading.
لذا، فإن مواجهة الغريم التقليدي و"الضحية التاريخية" في التوقيت الحالي وعلى أرض ستامفورد بريدج، تبدو فرصة لا تُقدّر بثمن، ففوز تشيلسي في ديربي لندن سيكون ضرورة إذا أراد استعادة توازنه قبل مرحلة الحسم من الموسم.
سجل مذهل
سجل توتنهام على ملعب ستامفورد بريدج لا يُصدق بالنظر إلى مكانته كأحد أكبر أندية لندن، خاصة أنه كثيرًا ما كان من أقرب المنافسين لتشيلسي على المقاعد الأوروبية في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك ما يشبه "العقدة الذهنية" التي لم يتمكن من فكّها.
مباراة الخميس تصادف مرور 7 سنوات ويومين على الفوز الوحيد للسبيرز في معقل البلوز خلال حقبة الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي جاء بفضل ثنائية ديلي آلي في انتصار شهير.
لكن تلك اللحظة التي بدت حينها وكأنها نقطة تحول أصبحت الآن مجرد ذكرى بعيدة، ولا يزال ذلك الفوز هو الوحيد لتوتنهام في ملعب تشيلسي منذ 35 عامًا.
سجل المواجهات المباشرة مؤخرًا لا يقل سوداوية بالنسبة لجماهير شمال لندن؛ إذ لم يحقق توتنهام سوى انتصار وحيد في آخر 10 لقاءات جمعته بتشيلسي، مقابل 8 انتصارات للبلوز.
ذلك الفوز الوحيد جاء في أبريل/نيسان 2023، حين كان تشيلسي يمرّ بمرحلة انهيار تامة تحت قيادة جراهام بوتر.
فريسة سهلة

وكل ما سبق لا يأخذ بعين الاعتبار حتى موسم توتنهام الكارثي الحالي؛ فالفريق دخل هذه الجولة وهو قابع في المركز الرابع عشر بجدول الدوري، وربما الأسوأ من ذلك، أن الفريق خسر معظم مبارياته هذا الموسم (15 من أصل 29).
ورغم الأداء الهجومي الممتع الذي يقدمه الفريق تحت قيادة أنجي بوستيكوجلو، إلا أن توتنهام يترك مساحات فاضحة في الخط الخلفي، والمدرب لا يبدو مستعدًا لتغيير أسلوبه التكتيكي، رغم تزايد الضغوط عليه، بل يبدو أننا نقترب من نقطة الانفجار، حيث بدأت صبر الجماهير ينفد تجاه أسلوب المدرب الأسترالي المتعنت.
آمال السبيرز في إنقاذ الموسم باتت مرتبطة بتحقيق لقب الدوري الأوروبي، وهو أمر يبدو صعبًا للغاية، خصوصًا أن الخصم في ربع النهائي هو آينتراخت فرانكفورت، ثالث الدوري الألماني.
واللافت أن بوستيكوجلو نفسه اعترف بأن بعض الجماهير فقدت "الثقة" في مشروعه.
وقال بوستيكوجلو في تصريحاته لشبكة "أوبتوس سبورت" قبل ديربي لندن: "لقد كان موسمًا صعبًا، ولا يمكننا إنكار ذلك. لم نصل إلى أي من المستويات التي كنا نطمح إليها. نشعر بالإحباط لأننا رأينا لمحات مما نريد تحقيقه، لكننا تلقينا نكسات كبيرة، وكان هناك عدم استقرار كبير، خصوصًا في الدوري".
وأضاف: "قلت دائمًا إنني لا أحب أن أملي على الناس كيف يشعرون. ولا شك أن شريحة كبيرة من جماهير توتنهام فقدت الإيمان بما نقوم به".
تعزيزات في الوقت المناسب
رغم كل ما سبق، كان من الممكن أن يُعذر مشجعو تشيلسي لو شعروا بالتشاؤم قبل الدخول في ديربي ضد غريمهم التقليدي.
فرغم أن الفريق استعاد شيئًا من توازنه بعد فترة أعياد مليئة بالتقلبات، إلا أن الأداء ظل باهتًا قبل فترة التوقف الدولي، وانتهى به المطاف إلى خسارة ثقيلة في المستوى قبل النتيجة، بهدف نظيف أمام آرسنال.
ولزيادة الطين بلّة، أشارت تقارير إلى أن الفريق الأول خسر مباراة تدريبية أمام فريق تحت 21 عامًا خلال فترة التوقف.
الإصابات لم تخدم الفريق أيضًا، حيث كان غياب نيكولاس جاكسون محسوسًا في خط الهجوم، إذ افتقد تشيلسي مجرد وجوده في المقدمة، حتى لو لم يكن في أفضل حالاته التهديفية قبل إصابته في أوتار الركبة.
وعلى الأطراف، كان نوني مادويكي قد بدأ يستعيد لمسته التهديفية قبل أن يُصاب هو الآخر بإصابة مشابهة، في وقت يعاني فيه الفريق أصلًا من نقص على مستوى الأجنحة، خصوصًا بعد إيقاف ميخايلو مودريك بسبب قضية منشطات.
ولم يختلف الحال في وسط الملعب، حيث استمرت معاناة روميو لافيا البدنية، ما جعل الخيارات في العمق شبه معدومة، وهو أمر يثير السخرية بالنظر إلى أن النادي أنفق ما مجموعه 274 مليون جنيه إسترليني (353 مليون دولار) على الثلاثي لافيا، إنزو فرنانديز، ومويسيس كايسيدو.
ولم يتوقف سيل النكسات هناك، فقد تعرض نجم الفريق كول بالمر لبعض الانزعاج البدني في التدريبات قبل مباراة آرسنال، مما أجبره على الانسحاب من معسكر المنتخب الإنجليزي.
لكن الغيوم انقشعت خلال فترة التوقف الدولي وفترة التحضير الإضافية التي وفّرها انشغال الأندية بكأس الاتحاد الإنجليزي. جميع اللاعبين السابقين – باستثناء لافيا – عادوا إلى التدريبات الجماعية، ما يعني أن ماريسكا يمتلك الآن تقريبًا تشكيلته الكاملة لأول مرة منذ فترة طويلة.
العودة إلى المسار الصحيح

بالنسبة إلى بالمر تحديدًا، فإنه متحفّز بشدة لمواجهة توتنهام في أول ظهور له بعد العودة، حيث يسعى جاهدًا لاستعادة مستواه الذي جعله أحد أبرز لاعبي البريميرليج هذا الموسم، بعد أن غاب عن التسجيل ولم يصنع سوى هدف واحد في آخر 10 مباريات خاضها بجميع المسابقات.
نجم البلوز رقم 20 دائمًا ما يكون حاسمًا في مواجهاته ضد توتنهام، حيث ساهم بأربعة أهداف خلال ثلاث مباريات فقط ضده؛ سجل من ركلة جزاء وصنع هدفًا لجاكسون في الانتصار المثير 4-1 في لندن الموسم الماضي، ثم أحرز هدفين من علامة الجزاء – أحدهما على طريقة "بانينكا" الشهيرة – في الفوز 4-3 خارج الديار في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكان انطلاقه الرشيق في تلك المباراة هو ما مهّد لهدف التقدّم الذي أحرزه إنزو فرنانديز.
أما جاكسون، الذي كان يعاني من صيام تهديفي دام 8 مباريات قبل إصابته، فهو الآخر يجد نفسه أمام خصمه المفضل؛ إذ سجل أربعة أهداف في ثلاث مباريات فقط ضد توتنهام، حيث أحرز ثلاثية من "لمسات سهلة" في الفوز 4-1، رغم إهداره لفرص أخرى، ثم سجل هدفًا بالرأس في مباراة الإياب على ملعب ستامفورد بريدج، بعد أن ارتدت تسديدة بالمر من العارضة.
باختصار، أكثر لاعبي تشيلسي فاعلية في الثلث الأخير يمرّون بأسوأ فتراتهم منذ انضمامهم إلى الفريق، ومواجهة خصم تقليدي مثل توتنهام في هذا التوقيت تبدو كأنها الفرصة المثالية لاستعادتهم لبريقهم المفقود.
تغيير المزاج
قد يبدو غريبًا القول إن هذه المباراة تمثل ضرورة الفوز بالنسبة لتشيلسي، لكن في ظل المنافسة الشرسة والمتقاربة على المراكز المؤهلة لدوري أبطال أوروبا، لا مجال للخطأ؛ إذ لم يكن يفصل بين بورنموث صاحب المركز العاشر وتشيلسي صاحب المركز الرابع سوى 5 نقاط فقط قبل فترة التوقف الدولي.
لكن المسألة تبدو أكبر من مجرد ثلاث نقاط بالنسبة لإنزو ماريسكا على وجه التحديد، إذ أن الأجواء المحيطة بالنادي قد تنقلب رأسًا على عقب سواء نحو الأفضل بانتصار أو نحو الأسوأ بهزيمة.
لا شيء يبدد الإحباط في صفوف الجماهير مثل الفوز على الغريم التقليدي، خاصةً في وقتٍ تزايد فيه القلق بسبب سوء النتائج والأداء، أما تلقي خسارة ثانية أمام توتنهام خلال 35 عامًا فذلك سيكون كفيلًا بطرح علامات استفهام جدية وفورية حول مستقبل المدرب.
وبالنظر إلى التاريخ، فإن تشيلسي وجماهيره يدخلون المباراة بثقة مشروعة، لكن لا مجال للتراخي أمام خصم لا يملك ما يخسره على الصعيد المحلي ويظل دومًا مصدر تهديد.
وقال المحلل الكروي ومشجع تشيلسي المعروف، بول ميرسون، قبل اللقاء: "هذه أهم مباراة لتشيلسي هذا الموسم. الرهان فيها كبير، لكنها تظل مباراة يُتوقع من تشيلسي الفوز بها. الفريق لم يكن جيدًا هذا الموسم، لكنني سأُفاجأ بشدة إذا لم يحقق الفوز. هي مباراة لا بد من الفوز بها".
مباراة ضخمة

بدوره، لا يساوره ماريسكا أي شك بشأن أهمية هذه المواجهة. وقال في المؤتمر الصحفي قبل المباراة: "إنها مباراة ضخمة، كبيرة. نعلم مدى أهميتها للجماهير وللنادي، لكنها في الوقت الحالي مهمة جدًا بالنسبة لنا أيضًا لمحاولة إنهاء الموسم في نفس الموقع الذي نحن فيه الآن. ذلك سيكون إنجازًا كبيرًا بالنسبة لنا في هذه المرحلة".
وأضاف: "من هذا الانتصار يمكننا بناء زخم يمتد حتى نهاية الموسم، لكن من الآن فصاعدًا، كل المباريات مهمة وجميعها تمنح ثلاث نقاط، لذا نحتاج للفوز بأكبر عدد ممكن من المباريات وسنرى بعد ذلك أين سننهي الموسم".
وتابع: "إذا تمكنا من إنهاء الموسم في المركز الرابع أو الخامس، فذلك سيكون أمرًا رائعًا بالنسبة للجماهير وللنادي، لأننا نعيد هذا النادي إلى المكان الذي لطالما كان فيه. كما أنه سيكون مهمًا جدًا للاعبين، لأنهم حينها سيدركون قيمة العمل الذي أنجزوه، ويمكنهم البناء عليه من أجل المستقبل".
منصة انطلاق
ستكون هناك الكثير من التطلعات والضغوط يوم الخميس، في ملعبٍ شهد في الأسابيع الماضية حالة من الغضب الجماهيري وصلت إلى حافة الانفجار. والتحدي الأكبر أمام اللاعبين سيكون في التركيز على المهمة وإنجازها بأي وسيلة كانت.
ومع انتهاء آخر فترة توقف دولي هذا الموسم، فإن الفوز في ملعبهم على أحد أكبر منافسيهم في العاصمة يمكن أن يشكّل منصة انطلاق مثالية لما تبقى من مباريات، خصوصًا وأن الفريق مقبل على سلسلة مواجهات صعبة ضد كل من ليفربول، مانشستر يونايتد، نوتنجهام فورست ونيوكاسل، ضمن سباق محتدم على المركز الرابع أو الخامس. كما أن الفوز قد يسهم كثيرًا في إنهاء أزمة الثقة التي ضربت الفريق مؤخرًا.
وفي النهاية، يمكن لتشيلسي أن يجد عزاءه في حقيقة أن الأمل دائمًا ما يتجدد عندما يعبر توتنهام العاصمة. لكن عليه أولًا أن يتجاوز مشاكله الذاتية ويستغل "لعنة" السبيرز في ستامفورد بريدج ليعيد موسمه إلى المسار الصحيح.