نادراً ما بدا أي لقاء كروي أكثر إثارة من هذه المباراة التي انتهت بالتعادل 3-3 بين ألمانيا وإيطاليا، فقد كانت مليئة بالقصص والأبعاد التاريخية، حيث سجل جوشوا كيميتش وجمال موسيالا أحد أكثر الأهداف غرابة في تاريخ المنتخب الألماني من ركلة ركنية نُفذت بسرعة، مما أعاد إلى الأذهان هدفاً شهيراً لليفربول.
ففي عام 2019، خدع ترينت ألكسندر-أرنولد وديفوك أوريجي برشلونة بنفس الطريقة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
قبل الاستراحة، قدم المنتخب الألماني أمام إيطاليا "أفضل شوط" في عهد المدرب جوليان ناجلسمان – بحسب تصريح المدرب نفسه. تقدم الألمان 3-0، لكنهم انهاروا بشكل مقلق بعد ذلك، لينتهي اللقاء 3-3.
وبفضل فوز ألمانيا 2-1 في مباراة الذهاب، كان التعادل كافياً للتأهل إلى نصف نهائي دوري الأمم، الذي سيقام في يونيو/حزيران في مدينتي ميونخ وشتوتجارت.
في نصف النهائي، تنتظر البرتغال، بينما قد تواجه ألمانيا إسبانيا في النهائي المحتمل، مما يمنحها فرصة للانتقام من الإقصاء في ربع نهائي يورو 2024، وكذلك فرصة للفوز بأول لقب منذ كأس القارات 2017.
تألق كيميتش وجوريتسكا أمام إيطاليا
منتخب ألمانيا الفائز بكأس القارات 2017 كان يقوده ما يُعرف بجيل 95/96 الذهبي (مواليد تلك الفترة)، وأبرز وجوهه جوشوا كيميتش وليون جوريتسكا.
في المباراة النهائية ضد تشيلي، لعب كيميتش مباراته الدولية العشرين (من أصل 99 حتى الآن) وشغل الجهة اليمنى، بينما قدم جوريتسكا في مباراته الدولية التاسعة (من أصل 59 حالياً) أداءً قوياً في خط الوسط الهجومي. كل ذلك في نظام 3-4-3، تماماً كما حدث الآن بعد 8 سنوات ضد إيطاليا.
لكن هذه المرة، كان للثنائي تأثيرا مباشرا على الأهداف. سجل كيميتش ركلة جزاء افتتح بها التسجيل، ثم نفذ الركنية الذكية التي جاء منها الهدف الثاني، وصنع الهدف الثالث بعرضية متقنة.
من جهته، بدأ جوريتسكا الهجمة التي أدت إلى ركلة الجزاء، ومرر كرة رائعة لكيميتش قبل الهدف الثالث.
كما أن جوريتسكا أشعل الجماهير في ملعب سيجنال إيدونا بارك بحركاته الحماسية، رغم كونه من مواليد بوخوم، ولاعباً سابقاً في شالكه، وحالياً في بايرن ميونخ – وهو مزيج يبدو من المستحيل أن يحظى بتشجيع في دورتموند.
في مباراة الذهاب في ميلان، سجل جوريتسكا هدف الفوز 2-1، واختاره ناجلسمان لاحقاً كأفضل لاعب في اللقاء.
أما كيميتش، فقد صنع كلا الهدفين بعرضيات دقيقة، ما يعني أنه ساهم مباشرة في جميع الأهداف الخمسة التي سجلتها ألمانيا أمام إيطاليا، وقال ناجلسمان عنه: "لا أعتقد أن هناك لاعباً آخر في أوروبا يمكنه تنفيذ عرضيات بهذه القوة والدقة وهو ثابت في مكانه".
من رموز الفشل إلى أبطال التأهل
بإيجاز، كان كيميتش وجوريتسكا المهندسين الحقيقيين لتأهل ألمانيا. ربما كتب اللاعبان، اللذان يبلغان من العمر 30 عاماً الآن، القصة الأكثر غرابة في هذه المواجهة المجنونة.
فمنذ وقت ليس ببعيد، كانا بمثابة كبش فداء للجماهير الألمانية. قلة من اللاعبين الألمان تعرضوا لانتقادات وضغوط أكثر منهما منذ التتويج بكأس القارات 2017.
بعد ذلك اللقب، كان يُنظر إليهما على أنهما قائدي المستقبل. تقدم كيميتش من مركز الظهير الأيمن إلى الوسط بجانب جوريتسكا، وسرعان ما حققا نجاحات مع بايرن ميونخ، بما في ذلك الثلاثية التاريخية عام 2020. لكن شراكتهما بدأت تتراجع في بايرن، خاصة خلال فترة ناجلسمان كمدرب.
أما على المستوى الدولي، فقد تحولا من وجوه الجيل الذهبي إلى رموز الفشل: الخروج المبكر من مونديال 2018 في روسيا، ثم يورو 2020 المخيب، وأخيراً الخروج من دور المجموعات في مونديال 2022 في قطر. بعد الإقصاء الأخير، قال كيميتش وهو على وشك البكاء: "أخشى أن أقع في حفرة نفسية".
شخصياتهما القوية وتصريحاتهما الجريئة جعلتهما يثيران الجدل أكثر من غيرهما. كان هناك دائماً ردود فعل متطرفة على ما يقولانه ويفعلانه، سواء إيجابية أو سلبية.
لكن في النهاية، بدأ كل شيء ينهار: جدل حول مركز كيميتش كلاعب ارتكاز، قضية رفضه للقاح كورونا، ومواقف جوريتسكا السياسية، إضافة إلى تراجع مستواهما في الملعب.
قبل عام واحد فقط، استبعد ناجلسمان جوريتسكا من المنتخب، بينما قام بإعادة كيميتش إلى مركز الظهير الأيمن – وهو ما شعر به على الأرجح كإهانة.
كيف استعاد كيميتش وجوريتسكا مكانتهما؟
تقبل كلا اللاعبين وضعيتهما دون انتقاد علني. كان ذلك أسهل بالنسبة لكيميتش بطبيعة الحال، إذ استمر في المشاركة بالمباريات ولو بشكل محدود. خلال بطولة أوروبا التي أُقيمت في ألمانيا.
تألق كيميتش في دوره الجديد القديم. وبعد اعتزال بعض اللاعبين المخضرمين، عيّنه المدرب جوليان ناجلسمان قائدًا جديدًا للمنتخب.
بدا مستقبل كيميتش مع بايرن ميونخ غير واضح بعد فقدان الفريق لقب الدوري الصيف الماضي، خاصة أن عقده كان ممتدًا حتى عام 2025 فقط. لم تكن وضعيته مثيرة للجدل مثل جوريتسكا، لكنه كان أيضًا مرشحًا للمغادرة. ومع ذلك، قرر كلاهما البقاء – وهو قرار لم يندما عليه.
تحت قيادة المدرب الجديد فينسنت كومباني، أصبح كيميتش بسرعة القائد الذي لا جدال عليه لخط الوسط. وبعد حملة إقناع من المدير الرياضي ماكس إيبرل، جدد عقده مؤخرًا حتى عام 2029.
أما جوريتسكا، فكان في البداية خارج القائمة في عدة مباريات، لكنه استفاد لاحقًا من إصابات المنافسين واستعاد مركزه الأساسي. بفضل تعديلات تكتيكية، أصبح بإمكان كيميتش وجوريتسكا اللعب معًا كثنائي ارتكاز تحت قيادة كومباني.
ونتيجة لذلك، عاد جوريتسكا إلى صفوف المنتخب الألماني. وكان ذلك ممكنًا أيضًا لأنه لم يعلق بشكل سلبي بعد استبعاده سابقًا. "كان هذا أذكى تصرف له"، كما أكد ناجلسمان.
فجأة، أصبح كيميتش وجوريتسكا يسيطران على خط وسط المنتخب الألماني، حيث يحظى كيميتش بمكانة لا جدال فيها كقائد، بينما يبدو أن جوريتسكا قد ضمن موقعه الأساسي بعد مستوياته المميزة مؤخرًا.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو كان متوقعًا في عام 2017 بالنظر إلى 2025، إلا أنه بات مفاجئًا بالنظر إلى التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة.