ريمونتادا.. كوليبالي "دبابة بشرية" حاربت الفقر والعنصرية

في عالم كرة القدم، تُصنع الأساطير من رحم المعاناة، ليظهر كاليدو كوليبالي، الذي تحول من طفل حافي القدمين إلى واحد من أبرز المدافعين الأفارقة في العالم، مرورًا بمعارك ضد الفقر والعنصرية.

ويتمتع كوليبالي "الدبابة البشرية" بقدرة استثنائية بفضل قوته البدنية الفائقة وبنيته الجسدية الضخمة التي تجعله درعًا حصينًا، وأحد أكثر المدافعين رهبةً في العالم.

ويقدّم "كووورة" في السطور التالية، الحلقة السابعة من سلسلة "ريمونتادا"، المكونة من 8 حلقات على مدار شهر رمضان المبارك، بواقع حلقتين أسبوعيًا، يومي الأحد والثلاثاء.

وتتناول السلسلة الحديث عن معاناة مسيرات أبرز النجوم المسلمين، الذين ينشطون حاليًا في دوري روشن السعودي للمحترفين، قبل أن يتجاوزوا المحن ويحققوا الإنجازات أينما حلوا وارتحلوا. وسيكون كوليبالي نجم الحلقة السابعة.

الحلقة الأولى.. بنزيما "سلاح متعدد" وحد صفوف العالم

الحلقة الثانية.. بونو "أسد مغربي" أجبر العالم على احترامه

الحلقة الثالثة.. كانتي قزم أصبح أحد عمالقة كرة القدم

الحلقة الرابعة.. ماني أسد افترس أهله ومدربه وصلاح للوصول للقمة

الحلقة الخامسة.. محرز يصنع الإعجاز في رحلة البدايات الصعبة

الحلقة السادسة.. عوار ثعلب جريح هزم المعاناة واستقر في عباءة بنزيما

معاناة الأبوين

وُلد كوليبالي في 20 من يونيو / حزيران عام 1991، لأبوين هاجرا من السنغال نحو فرنسا، ونشأ في مدينة سات دي فوج التي تقع شرق باريس.

وكان والده عاملاً بسيطًا، حيث عمل لمدة 5 سنوات في مصنع للنسيج في السنغال الغارقة حينها في الفقر المدقع، لسبعة أيام أسبوعيًا دون إجازات، لتأمين المبلغ المطلوب للهجرة إلى فرنسا.

ولم ينسَ كوليبالي هذه المعاناة والحياة الصعبة التي كابدها والداه، وقال: "كان والداي من المهاجرين، وقد واجهت بنفسي الصعوبات والتحديات التي تغلبوا عليها. لو لم يكونوا قد قرروا البحث عن حياة أفضل في مكان آخر، لما كنت أطمح لأن أصبح الشخص الذي أنا عليه الآن".

حافي القدمين

منذ طفولته، كان كوليبالي يعشق كرة القدم، لكنه كان يشعر بالحزن عندما يرى الأطفال حفاة الأقدام الذين يمارسون اللعبة دون أحذية.

وفي اليوم الذي طلب فيه كوليبالي من والدته شراء حذاء رياضي من المتجر، أخبرته الأم بصعوبة ذلك، وأمرته بالذهاب للعب الكرة حافيًا مع أقرانه.

ومن هنا كانت بدايته الأولى في عالم الساحرة المستديرة.



فشل وإصرار

بدأ كوليبالي مسيرته الكروية في أكاديمية نادي سانت دي لوريان المغمور عام 1999، عندما كان في الثامنة من عمره، ثم انتقل إلى أكاديمية نادي ميتز، حيث لم يمكث فيها طويلًا بسبب كونه انطوائيًا للغاية ولم يظهر مستوى جيدًا في تلك الفترة.

لكن كوليبالي لم يعرف الفشل، وعكف على تطوير نفسه، وعندما سنحت له الفرصة لاختبار جديد في ميتز، لفت الأنظار إليه، وأحس بدعم كل من حوله.

واصل تألقه في تجربته الثانية، وحجز لنفسه مكانًا أساسيًا في فريق تحت 19 عامًا، وهو ما دفع مدرب الفريق الأول في ميتز، دومينيك بيجوتات، لاستدعائه إلى صفوف الكبار وتوقيع عقد احترافي لمدة موسم واحد عام 2010، قبل أن يوقع عقدًا آخر في الموسم التالي لمدة ثلاث سنوات.



هبوط ثم تألق

خلال موسمين مع ميتز، شارك كوليبالي في 46 مباراة وسجل خلالها هدفًا واحدًا، ليظهر التزامه وقدرته على التطور. لكن فريقه هبط إلى الدرجة الثالثة، وتفكك، ما دفع كوليبالي للبحث عن فرصة جديدة.

في عام 2012، انتقل إلى بلجيكا للانضمام إلى فريق جينك، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة وقتها، في صفقة كلفت 1.3 مليون يورو.

سرعان ما بدأ نجم كوليبالي في الظهور، حيث خاض مباراته القارية الأولى في 23 أغسطس 2012 أمام لوزيرن السويسري في الدوري الأوروبي.

لعب كوليبالي مع جينك 92 مباراة في جميع المسابقات، سجل خلالها ثلاثة أهداف وصنع خمسة أهداف. كما فاز مع جينك بكأس بلجيكا عام 2013.

التحول الكبير

في عام 2014، رن هاتف كوليبالي ليظن أنه من صديقه، ولكن الطرف الآخر كان الإسباني رافاييل بينيتيز، مدرب نابولي الإيطالي.

لم يتردد كوليبالي في إغلاق الهاتف معتقدًا أن الأمر مجرد مزحة، لكنه شعر بالإحراج عندما اكتشف أن المتصل كان بينيتيز فعلا.

قال كوليبالي عن تلك اللحظة: "أغلقت الهاتف بوجه بينيتيز عدة مرات، كنت أظن أن أحد أصدقائي يحاول خداعي. شعرت بإحراج كبير عندما اكتشفت أنه كان المدرب بينيتيز. هذا الانتقال كان ما كنت بحاجة إليه. كي أتطور كمدافع، لا يوجد مكان أفضل من إيطاليا".

وبالفعل، انتقل كوليبالي إلى نابولي في صفقة كلفت 7.75 مليون يورو، ليخوض تحديًا جديدًا في الدوري الإيطالي.

أزمة العنصرية ودعم رونالدو

رغم تألقه مع نابولي، واجه كوليبالي أزمة كبيرة في عام 2021، عندما كشف عن تعرضه لإساءات عنصرية من جماهير فيورنتينا خلال مباراة بين الفريقين.

نشر كوليبالي صورة لنفسه عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا) وهو يشير إلى الجماهير، وطالب المسؤولين بالتدخل.

وقال: "سبّوني بعبارات عنصرية مثل (القرد اللعين). هذه الأشياء ليست لها علاقة بكرة القدم. يجب أن يتم تحديد المتورطين وحرمانهم من دخول الملاعب إلى الأبد. لا مكان للعنصرية في الرياضة".

لم تكن تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها كوليبالي للعنصرية، ففي عام 2018، كشف عن تعرضه لاهتافات عنصرية خلال مباراة نابولي ضد إنتر.

وفي تلك اللحظات، قدم كريستيانو رونالدو دعمًا كبيرًا لكوليبالي، حيث نشر صورة له مع اللاعب السنغالي عبر حسابه على "إنستجرام" معلقًا: "في العالم، وفي كرة القدم، أرغب دائمًا في التعلم والاحترام... لا للعنصرية وأي جريمة تمييز".



تجربة قصيرة وكتابة التاريخ

في يوليو / تموز 2022، انتقل كوليبالي إلى تشيلسي الإنجليزي، لكن التجربة لم تكن ناجحة، حيث اكتفى النادي اللندني بالمركز 12 في الدوري، ليتنقل بعدها إلى الدوري السعودي عبر بوابة الهلال.

كان كوليبالي واحدًا من 3 محترفين انتقلوا من تشيلسي إلى الدوري السعودي في صيف 2023، إلى جانب نجولو كانتي وإدوارد ميندي.

ووقع كوليبالي مع الهلال بينما انتقل كانتي إلى الاتحاد، وميندي إلى الأهلي.

وقال كوليبالي عن انضمامه للدوري السعودي: "كانت مغامرة بالنسبة لنا، وتحولت إلى حياة جاذبة وممتعة. اليوم نحن سعداء حقًا بالوجود هنا. الشعب السعودي يرحب بنا بحرارة".

وكتب كوليبالي التاريخ مع الهلال، حيث توج بلقب الدوري السعودي (2023-2024) لأول مرة في مسيرته الاحترافية، بالإضافة إلى بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين، وثنائية السوبر السعودي.

إنجاز وطني

رغم ولادته ونشأته في فرنسا، قرر كوليبالي تمثيل منتخب بلاده الأم السنغال، وكتب مع "أسود التيرانجا" التاريخ عندما قادهم للفوز بأول لقب لهم في كأس الأمم الأفريقية 2021.

كما كان جزءًا من منتخب بلاده الذي وصل إلى دور الـ16 في مونديال قطر 2022، وحصل على لقب أفضل لاعب سنغالي في عامي 2017 و2018.

أجواء رمضان

كغيره من المحترفين، أعرب كوليبالي عن شعوره الخاص في شهر رمضان. وقال في تصريحات سابقة: "في شهر رمضان، العديد من الزملاء يستفسرون عن قصة الصيام. ويعتقدون أن الأمر يتوقف على الامتناع عن الأكل والشرب، ولذلك أقوم دائمًا بتوضيح الهدف من هذا الواجب الديني".

وأشار كوليبالي: "أفسر لهم ما جاء في القرآن الكريم وضرورة اتباع تعليمات ديننا والاقتداء بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم".

وأردف: "نحن محظوظون بقضاء رمضان في السعودية، حيث تُلعب المباريات الساعة العاشرة مساءً تقريبًا، مما يتيح لنا الوقت الكافي لاستعادة قوتنا. في أوروبا، تلقيت الدعم خلال تلك الفترة سواء في نابولي أو تشيلسي، وتمكنت من اللعب خلال رمضان هناك أيضًا".



اشترك الآن على شاهد للاستمتاع بأبرز مباريات دوري روشن السعودي