كثير ما قيل إن البرتغالي كريستيانو رونالدو قائد النصر السعودي، وليد التدريبات، في الوقت الذي تمتع فيه غريمه اللدود الأرجنتيني ليونيل ميسي بموهبة إلهية مكنته من جعل اللعبة تبدو سهلة للغاية، ومع ذلك فإن الموهبة الفطرية وحدها لا تكفي دون ذكاء كروي حقيقي.

وكما سبق وأن قال تشابي ألونسو مدرب باير ليفركوزن، إن ما يجعل ميسي بارعًا هو قدرته على اتخاذ القرارات، حيث يتمتع بقدرة نادرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وهو أمر يرتبط بالتواضع والكفاءة والرؤية.

وقال ألونسو عن ميسي، في تصريحات سابقة عام 2023: "يعرف كيف ومتى يمرر الكرة البسيطة، حيث يقول ميسي: أنت في وضع أفضل؟ حسنًا، ستحصل على الكرة، الأمر لا يتعلق دائمًا بأكثر حركة بارعة، بل بالأفضل والأذكى".

وفي ظل مشاكل ميسي المتزايدة مع الإصابات في الأونة الأخيرة، يتساءل البعض عما إذا كان ميسي ارتكب خطأ نادرا بإطالة مسيرته الدولية مع الأرجنتين والتي كان من الممكن أن تنتهي مع لحظة المجد في قطر قبل 3 سنوات.

محاكاة مارادونا

شارك ميسي في مونديال 2022 كما لو كان الأخير بالنسبة له، وبعمر 35 عامًا حينها كان لا يستمتع بمسيرته الكروية في باريس سان جيرمان.

ولكن، كانت الأمور مختلفة مع الأرجنتين، حيث كان يستمتع بالانضمام لمنتخب بلاده تحت قيادة المدرب ليونيل سكالوني، وكان يتطلع بشوق لفترات التوقف الدولي التي وفرت له استراحة من الأجواء المتوترة في ملعب حديقة الأمراء.

وغير التتويج بلقب كوبا أمريكا 2021 كل شيء، فبعد أكثر من عقد من الهزائم المدمرة، توج ميسي أخيرا بلقب دولي رفع عنه عبء ثقيل ظهر جليًا بسقوطه على ركبتيه في ملعب ماراكانا محتفلا باللقب.

ليونيل ميسي

ولكن استمر الضغط الخاص بمحاكاة مارادونا وقيادة بلاده للمجد الأكبر، عندما خسرت الأرجنتين في أول مباراة لها في مونديال قطر أمام السعودية في واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ كرة القدم، وحينها اشتد النقد على النجم الأرجنتيني.

ومع ذلك فهؤلاء الذين أتوا لدفن ميسي انتهى بهم الأمر بالإشادة به، فبعد أن حافظ على بقاء الأرجنتين في البطولة بفضل هدفه أمام المكسيك في الجولة الثانية، واصل ميسي تقديم أروع أداء في الأدوار الإقصائية منذ دييجو أرماندو مارادونا في نسخة 1986، ليتوج في نهاية المطاف باللقب الأهم في اللعبة.

إكمال المسيرة

بينما كان البرغوث يركل الكرة مع أطفاله في الملعب المغطاة بالزينة بعد صافرة نهاية نهائي المونديال في لوسيل، شعر الكثيرون بأن الوقت قد حان لاعتزاله، حيث أكمل للتو كل شيء له علاقة بكرة القدم وأنهى جدل اللاعب الأفضل في التاريخ بأفضل صورة ممكنة، لم يعد هناك شيء آخر لم يفز به أو يحتاج لإثباته.

ومع ذلك قرر الاستمرار ببساطة لأنه أصبح يستمتع أكثر بكرة القدم الآن، ورغبة منه في الاستمتاع بخوض المباريات كبطل للعالم، استحق ذلك الحق، ولكن ما كان يريده هو خوض مباراتين كبطل للعالم، وزاد الأمر ووصل إلى 5 مباريات ودية و5 مباريات في تصفيات كأس العالم وحملة كاملة في كوبا أمريكا، لتطرح التساؤلات ما إذا كان ميسي ارتكب خطأ بالاستمرار لفترة طويلة.

علامات التعب

صنع ميسي تاريخًا جديدًا بقيادة الأرجنتين إلى لقب كوبا أمريكا للمرة الثانية على التوالي، ولقب ثالث في بطولة دولية كبرى، لكن خلال بطولة 2024 في الولايات المتحدة، اتضح أن الإجهاد البدني الهائل المصاحب للمنافسة على أعلى مستوى لما يقرب من عقدين من الزمن بدأ يُلقي بظلاله.

بعد 7 أهداف و3 تمريرات حاسمة في قطر، لم يُسجل ميسي سوى هدف واحد من كل منهما في الولايات المتحدة الصيف الماضي، وانتهى به الأمر وهو يبكي على مقاعد البدلاء بعد أن أُجبر على الخروج في منتصف الشوط الثاني من المباراة النهائية بسبب إصابة في أربطة الكاحل.

رغم النهاية السعيدة، بتسجيل لاوتارو مارتينيز هدف الفوز للأرجنتين في الوقت الإضافي، بدا تحقيق ميسي لرقم قياسي بالمشاركة في نهائيات كأس العالم للمرة السادسة أمرًا بعيد المنال في ذلك الوقت. لكن بعد تسعة أشهر، يبدو الأمر أكثر استبعادًا.

ماذا لو انتهى به الأمر مصابًا؟

غاب ميسي بالفعل عن أربع مباريات للأرجنتين خلال العام الماضي بسبب الإصابة. وسيغيب عن مباراتين أخريين خلال فترة التوقف الدولي الحالية، بعد استبعاده من المباراتين الحاسمتين ضد أوروجواي والبرازيل بسبب الإصابة.

المقلق للغاية هو أن هذه الإصابة حدثت في وقت كان فيه إنتر ميامي يُدير تدريباته بعناية، لعب ميسي 90 دقيقة 3 مرات فقط منذ بداية موسم 2025، كما تمت إراحته 3 مباريات متتالية في وقت سابق من هذا الشهر، حيث يسعى المدرب خافيير ماسكيرانو إلى حماية أفضل لاعب في الدوري الأمريكي لكرة القدم قدر الإمكان دون التأثير على قدرة الفريق التنافسية.

ميسي

وتساءل ماسكيرانو يوم 6 مارس/آذار الجاري: "ماذا لو لم نمنحه راحة كافية وانتهى به الأمر مصابًا؟ لا نريده أن يغيب عن الملاعب شهرًا كاملًا"، إن احتمالية غيابه لفترة طويلة تُعدّ الآن أمرًا مقلقًا للغاية، سواءً لناديه أو لمنتخب بلاده.

روح الفريق

مجرد وجود ميسي في ميامي له أهمية بالغة، ليس فقط للفريق، بل للدوري بأكمله، يحضر المشجعون المباريات لمجرد مشاهدته يلعب، وعندما لا يفعل، تشعر بعض الأندية بأنها مضطرة لتقديم تعويضات، ومع ذلك، فهو ليس مجرد ظاهرة تسويقية، بل لا يزال لاعبًا بنفس القدر بالنسبة لإنتر ميامي.

واعترف ماسكيرانو الشهر الماضي قائلاً: "ميسي هو روح هذا الفريق، إنه كطفل يلعب كرة القدم، ولا يريد الخسارة، بالنسبة لنا، وجوده ميزة كبيرة جدًا، لأنه لا يقتصر على ما يفعله على أرض الملعب، بل على ما ينقله لزملائه في الفريق وكل ما يفعله بخبرته التي تمتد لـ 37 عامًا، إنه لا يلعب في الهجوم فحسب، بل يساعدنا في الدفاع ويدير خط الوسط بأكمله. إنه لاعب رائع".

ليس من المستغرب إذًا أن يُصرّ خورخي خورخي ماس، الشريك في ملكية ميامي، على تمديد عقد ميسي الذي ينتهي في ديسمبر/كانون الأول، خاصة أن الفريق سينتقل إلى ملعب جديد العام المقبل.

وبالطبع، من المرجح أيضًا أن يعود برشلونة إلى ملعب كامب نو المُجدّد في عام 2026، وقد انتشرت شائعات في الأيام الأخيرة تفيد بأن رئيس النادي خوان لابورتا يُريد إعادة ميسي إلى الملعب في حفل إعادة الافتتاح الكبير، والذي سيُمثّل بلا شك إحدى أعظم نهايات القصص الخيالية في عالم كرة القدم.

الموعد النهائي

الحقيقة هي أننا لا نعرف بعدُ ما سيتبقى لميسي ليقدمه بنهاية الموسم الحالي، ومن اللافت للنظر أن اللاعب نفسه لا يزال متحفظًا بشأن احتمالات مشاركته في كأس العالم 2026.

قال قائد الأرجنتين بعد تسجيله ثلاثية في مرمى بوليفيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "لم أحدد موعدًا أو موعدًا نهائيًا، أنا فقط أستمتع بكل هذا، أنا أكثر تأثرًا من أي وقت مضى، وأتلقى كل حب الجمهور لأنني أعلم أن هذه قد تكون مبارياتي الأخيرة".

وأضاف: "إنه لمن دواعي سروري أن أكون حاضرًا وأقدّر هذه اللحظة، إن وجودي بين زملائي الأصغر سنًا، بالنظر إلى سني، يجعلني أشعر وكأنني طفل مرة أخرى، أجد نفسي أفعل أشياءً سخيفة لأني أشعر براحة كبيرة، لذا، طالما حافظت على هذا الشعور وواصلت المساهمة مع الفريق، أنوي البقاء هنا مستمتعًا (باللعب مع المنتخب الوطني)".

سيكون من الرائع بلا شك أن نشهد عبقريته مرة أخيرة على أكبر مسرح للعبة، ولكن فقط إذا كان لائقًا لذلك، ربما كان أفضل وأذكى قرار يمكن أن يتخذه ميسي هو الاعتزال بعد قطر - أو على الأقل بعد كوبا أمريكا العام الماضي - لأن اللعب في كأس العالم 2026 يعني أنه يخاطر بإحراج نفسه كما فعل رونالدو في آخر بطولتين دوليتين كبيرتين.

ومن هذا المنطلق، كان من المشجع سماع ميسي يتحدث عن الاعتزال في اللحظة التي يشعر فيها أنه أصبح عائقًا أكثر منه عونًا لزملائه في الفريق الذين يعشقهم، إنه يعلم تمامًا أن نهاية مشواره قد بدأ بالفعل، المشكلة الوحيدة هي أن جسده قد يستسلم بسهولة قبل أن يرغب، مما يجعل الخطط والتوقعات عقيمة تمامًا في هذه المرحلة.

اشترك الآن على شاهد للاستمتاع بأبرز مباريات دوري روشن السعودي