وتُعتبر الملاكمة من أهم المسابقات في الألعاب الأولمبية الحديثة، حيث ظهرت لأول مرة في عام 1904، ومذاك أُدرجت في جميع النسخ التالية، باستثناء عام 1912.
واستهل محمد علي، وشوغر راي ليونارد، وفلويد مايويذر، ولينوكس لويس، على سبيل المثال لا الحصر، عالم الملاكمة مسيرتها على حلبات الألعاب الأولمبية.
ورغم النجاح الجماهيري والتنظيمي، إلّا أن الشكوك تحوم حول إمكانية ادراج الملاكمة في ألعاب لوس أنجليس بعد 4 سنوات.
كان ذلك حتى قبل اندلاع جدل حول الهوية الجنسية لملاكمتين في العاصمة الفرنسية، ما ألقى بظلاله على النزالات في الحلبة وأضاف مزيدا من التساؤلات حول مسألة التدقيق وكيفية إدارة الملاكمة.
"أنا امرأة مثل أي امرأة أخرى"
في خضم مشكلات الملاكمة، يبرز النزاع الطويل والمفتوح بين اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي للملاكمة بقيادة روسيا.
لم تُدرج الملاكمة في ألعاب طوكيو 2020 المؤجلة بسبب تداعيات فيروس كورونا إلى العام التالي، إلّا بعد تدخُل اللجنة الأولمبية الدولية لإدارتها، وتكرر الأمر ذاته في باريس، على وقع احتدام الصراع بين الطرفين وتجميد نشاطات الاتحاد الدولي للملاكمة ليصبح خارج الحركة الأولمبية.
حذّر رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ من أن الاتحادات الوطنية للملاكمة بحاجة إلى إيجاد شريك دولي جديد و"موثوق" للجنة الأولمبية الدولية للتأكد من أن الملاكمة ستظهر مرة أخرى في برنامج ألعاب 2028.
وقال باخ إن اللجنة الأولمبية الدولية ستتخذ قرارا بشأن إدراج الملاكمة في النسخة المقبلة من الألعاب الاولمبية في النصف الأول من عام 2025.
وكانت المساهمة الرئيسة للاتحاد الدولي للملاكمة في باريس هي تنظيم مؤتمر صحفي هدف إلى توضيح سبب استبعاد خليف ولين من بطولاته العالمية العام الماضي.
وزعم رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة الروسي عمر كريمليف، أن الملاكمتين خضعتا "لاختبارات جينية تُظهر أنهما رجلان".
وبقرار مخالف لرأي الاتحاد، سمحت لهما اللجنة الأولمبية الدولية بخوض المنافسات وأعربت عن شكوكها بشأن اختبارات الاتحاد الدولي للملاكمة ودوافعه.
وفازت خليف بالميدالية الذهبية في وزن 66 كلغ، وأعلنت: "أنا امرأة مثل أي امرأة أخرى، إنهم يكرهونني ولا أعرف السبب".
وأضافت في انتقاد واضح للاتحاد الدولي للملاكمة: "لقد أرسلت لهم رسالة بهذه الميدالية".
"رياضة محفوفة بالمخاطر"
في مقابلة مع وكالة فرانس برس في تشرين الثاني/نوفمبر، تعهّد رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى (وورلد أثلتيكس) البريطاني سيباستيان كو بحماية الرياضة النسائية في حال فوزه برئاسة اللجنة الأولمبية الدولية، بعد الجدل الذي حصل خلال أولمبياد باريس الصيف الماضي.
وقال كو إن ضمان مجموعة واضحة من السياسات حول مشاركة المرأة سيكون على رأس أولوياته، إذا تم انتخابه في آذار/مارس المقبل لخلافة باخ في رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية.
وأبدى كو "انزعاجا" من الضجة التي أحاطت بخليف ولين في أولمبياد باريس، قائلا إن الملاكمة رياضة "محفوفة بالمخاطر" وتتطلب إرشادات واضحة جدا من أعلى السلطات الأولمبية.
وأضاف: "لا أعتقد أنه يمكنك التسرع والاستخفاف في رياضة مثل الملاكمة. يجب أن يكون لديك سياسات واضحة كما هو الحال في جميع الرياضات".
وتابع: "تتوقع الاتحادات الدولية أن يتحدد هذا المشهد من قبل الحركة الأولمبية. يمكنكم القول إنه تنسيق مشترك، لكن القيادة الفكرية والمبادرة التي يجب القيام بها، يجب أن تأتيا من خلال الحركة الأولمبية. إذا لم نقم بحماية الرياضة النسائية ولم تكن لدينا مجموعة واضحة لا لبس فيها من السياسات للقيام بذلك، فإننا نخاطر بخسارة الرياضة النسائية".
وأردف: "من منظور شخصي، وبصفتي رئيسا لرياضة أولمبية، فأنا لست مستعدا لحدوث ذلك".
إذا كانت المشاركة في مسابقات الرجال خالية من مشكلات مماثلة، فإن حماية الرياضة النسائية كانت موضوع لوائح مختلفة لعقود من الزمن. يتعلق الأمر بالرياضيات اللواتي يُعتبرن إناثا منذ ولادتهن لكن يملكن فائضا من الهورمونات الذكورية التي من المحتمل أن تؤثر على أدائهن، والنساء المتحولات جنسيا.
وفرض الاتحاد الدولي لألعاب القوى الذي تشدد في لوائحه بعد فوز العداءة الجنوب إفريقية كاستر سيمينيا بسباق 800 متر في أولمبياد 2008، على الرياضيات اللواتي يندرجن تحت هذه الفئة تناول العلاج لخفض مستوى هورمون التستوستيرون لديهن إلى أقل من 2.5 نانومول/لتر.
وفُرض أيضا منذ 2023 حظرا على مشاركة المتحولين جنسيا من رجال إلى سيدات إذا حصلت عملية التحول الجنسي بعد البلوغ، وهو معيار يُطبّقه أيضا الاتحادان الدوليان للسباحة والدراجات الهوائية.
لكن احتمال وجود لوائح موحدة يتعارض مع عدم التجانس في المواقف: فالكثير من الهيئات الدولية ليس لديها قواعد أهلية محددة، مثل الجمباز أو الجودو أو الرماية، إما لأنها لم تضطر يوما إلى النظر في الموضوع، أو لأنه لا توجد بيانات تُظهر أن التحول بين الجنسين من شأنه أن يوفر "ميزة غير متناسبة" للأداء، وهو المعيار الذي اقترحته اللجنة الأولمبية الدولية منذ 2021.
وتبقى هناك محاذير على الهيئات الرياضية أن تراعيها وهي التوفيق بين مفهومها للعدالة ومبادئ عدم التمييز واحترام الحياة الخاصة.