وأثناء ارتشافه فنجان القهوة، الذي اعتاد عليه في كل صباح مع مطالعة الصحف، يتوقف فجأة ويضع ما بيديه على المنضدة، ويمعن النظر في الصحيفة التي بين يديه.
وما هي إلا لحظات إلا ويرتسم الحزن على وجهه، ويتمتم ببعض الكلمات التي لا تفهمهما زوجته التي كانت إلى جانبه، والتي لاحظت ما بدا على رفيق دربها، فما كان منها، إلا أن راحت تسأله عما بدل حاله، إلا أنه لم يجب من وقع الصدمة.
.....
سادت لحظات من السكون قبل أن تربط الزوجة على كتف زوجها، الذي لا يزال غارقا في أحزانه، من أجل مواساته.
تنظر الزوجة لزوجها، مرة ثانية، لترى أن حزنه بات مشوبا بالتعجب والاستغراب المرتسم على محياه، ما يثير فضولها الذي لم يتركه (ميلا) يدوم طويلا، عندما صاح بأن ماسينج لم يكن يعاني من أي شيء، لينفض من مكانه على منضدة الطعام، ويتجه نحو أريكة جانبية للجلوس عليها.
لاحقته زوجته لمواساته مرة أخرى، وراح صاحب ال65 عاما (حينها) يروي لها، كيف كان ماسينج الذي يصغره ب10 أعوام، من أقرب لاعبي جيله إليه، وسرد له واقعة غريبة له في كأس العالم بإيطاليا عام 1990، عندما سطروا تاريخا ذهبيا بالوصول إلى ربع النهائي.
وقال ميلا، إن جميع اللاعبين كان يحدوهم الأمل، في أن يحققوا إنجازا هذه المرة بعدما قدم الجيل السابق، مباريات رائعة في مونديال إسبانيا عام 1982، بالتعادل في 3 مباريات، إلا أنهم ودعوا البطولة من الدور الأول.
وتابع ميلا "لكننا صدمنا عندما أوقعتنا ضربة البداية أمام الأرجنتين بطلة العالم، في مباراة الافتتاح، ورحنا جميعا نتساءل: كيف لنا السبيل في إيقاف دييجو أرماندو مارادونا وكلاوديو كانيجيا وباقي نجوم التانجو".
وسرد ميلا، شجاعة ماسينج عندما صاح، قائلا "حسنا.. أنا سأتكفل بإيقاف كانيجيا، فيما ستكون مهمتكم الأساسية هي إيقاف مارادونا".
في ذلك الوقت، انشغل ماسينج كثيرا بمهمته الكبرى، فلم يعد يشغل باله، سوى التفكير في الطريقة، التي سيوقف بها كانيجيا ذلك السهم الذي ينطلق ويخترق دفاعات الخصوم ويحترف تمزيق شباك المنافسين.
وجاءت المباراة الحلم، وبات ماسينج رقيبا وظلا لكانيجيا لا يسمح له بالتحرك كثيرا، وضيق الخناق عليه، ما أثار غضب وحنق المهاجم الأرجنتيني.
وواصل ميلا سرده "كانت هجمة لنا، لكن الكرة قطعت منا، وتسلمها كانيجيا الذي كان قد عاد لمناطق دفاعات فريقه هربا من طوق ماسينج، وتسلم الكرة في ثلت ملعبه الأخير، وانطلق كالسهم، وأفلت من محاولة الاعتراض الأولى، ثم نجا من الثانية، ورغم اختلال توازنه في تلك اللحظات، إلا أنه راح يتقدم نحو المرمى".
وأردف ميلا "كانت أنظارنا جميعا تتجه نحو ماسينج، فلم يعد أمامنا من سبيل لإيقاف كانيجيا إلا هو، ولم يخيب ظننا، حيث ركض بسرعة نحوه ودون تفكير تدخل معه بكل جوارحه، في مشهد عنيف بات تاريخيا، بعدما تم تصنيف التدخل بالأعنف في بطولات كأس العالم".
وكلف هذا التدخل الشجاع، ماسينج، بطاقة حمراء، ليغيب عن مباراتي الدور الأول ومباراة ثمن النهائي، ليعود إلينا في ربع النهائي؛ حيث كنا سنواجه إنجلترا.
كانت مهمة "ماسينج" هذه المرة هي إيقاف المهاجم الخطير جاري لينكر، بأي طريقة كانت، لكن الأخير، كان ماكرا، أو ربما تعلم الدرس جيدا من كانيجيا.
لينكر وضع كل همه على أن يتواجد دائما داخل منطقة الجزاء، لينجح في الحصول على هدفه، ويتعرض للعرقلة من ماسينج، ويحصل على ركلة جزاء، ونخسر اللقاء ونودع المونديال، بعدما نلت من الشهرة ما نلت، ناصفني فيها ماسينج؛ بسبب تدخله على كانيجيا، وبات معروفا به طوال حياته، والذي ربما كان مكافأة على شجاعته وتضحيته من أجل الفريق.