في الحقيقة، أشعر بأن مسًا من الجنون قد يصيبني أيضا، حينما أمر مرورًا سريعا على أرقام الصفقات التي تتناقلها الصحف، فأرى لاعبون كثيرون تنهال عليهم العروض التي كسرت حاجز الـ 100 مليون يورو، ويا له من رقم! ويا ليتهم يستحقون!
حينما بلغ الجنون ذروته في سوق الانتقالات ووصلنا إلى الرقم القياسي 222 مليون يورو، هي قيمة الشرط الجزائي لانتقال نيمار من برشلونة إلى باريس سان جيرمان في صيف 2017، أعتقدت أنني لن أسمع عن رقم كهذا لمدة 10 سنوات قادمة، وبالفعل لم يُكسر الرقم حتى هذه اللحظة، ولكننا اليوم أصبحنا على مقربة من تجاوز هذا الرقم.
لقد رأينا تشيلسي، وهنا نضرب المثل بالنادي اللندني لأنه الأعلى إنفاقا (صافي الإنفاق) في البريميرليج خلال المواسم الخمسة السابقة، اشترى إنزو فيرنانديز من بنفيكا مقابل 121 مليون يورو، في حين أن قيمته السوقية كانت مقدرة بـ 55 مليون يورو فقط! وقبله خطف مودريك بمبلغ 70 مليون يورو دفعها لشاختار رغم أن قيمة اللاعب لا تتجاوز 40 مليونا!
الأغرب على الإطلاق كان ما أنفقه البلوز للظفر بخدمات ويسلي فوفانا المدافع الفرنسي من ليستر سيتي، فمن يتصور شراء هذا اللاعب -وهو لا ينتمي حتى لمدافعي الصفوة في العالم- مقابل 80 مليون يورو؟! وعلى نفس النهج دفع النادي المملوك لتود بويلي ما يقارب 65 مليون يورو لشراء مارك كوكوريلا من برايتون وكانت القيمة السوقية للاعب وقتها تقدر بـ 28 مليونا فقط!
وحتى نكون منصفين فتشيلسي ليس النادي الإنجليزي الوحيد الذي أنفق بغرابة على لاعبين لا يستحقون الملايين، فليفربول دفع 80 مليون يورو في داروين نونيز، وجميعنا شاهد مهاراته في إهدار الفرص أمام المرمى، ونيوكاسل ضم ألكساندر إيزاك من ريال سوسيداد مقابل 70 مليونا بينما قيمته السوقية لم تكن تجاوزت 30 مليونا، ويونايتد دفع في أنتوني 3 أضعاف قيمته السوقية تقريبا حينما اشتراه مقابل 95 مليونًا.
واليوم، ربما يدفع مانشستر سيتي أكثر من 100 مليون يورو لضم جفارديول من لايبزيج، وهو موهبة تستحق قيمة انتقال كبيرة، كما دخل حامل لقب دوري الأبطال مزادًا مع أرسنال لخطف ديكلان رايس، ويمكن تفهم هذا فهو لاعب ممتاز قيمته السوقية الفعلية 90 مليون يورو، وربما نشاهد أيضا هاري كين نجم توتنهام، ينتقل داخل البريميرليج أو خارجه بأكثر من 100 مليون يورو، بينما ينتهي عقده بعد موسم واحد، ولكني أيضا سأتفهم ذلك فكين هو كين.
إذا نظرنا في المقابل لعملاقي إسبانيا، فريال مدريد وبرشلونة لا يستطيعان الإنفاق بهذا البذخ أمام الأندية الإنجليزية، فقد رأينا فلورنتينو بيريز انسحب من صفقة كاي هافيرتز معلنا رفضه لمثل هذه الأسعار، وإذا نظرنا لإنفاق الملكي في السنوات الأخيرة نراه متزنا للغاية، فمثلا حين قرر النادي شراء بيلينجهام دفع 103 ملايين يورو، وهو مبلغ أقل من القيمة السوقية للاعب (120 مليون يورو).
كذلك انظر إلى كامافينجا، هل تصدق أن ريال مدريد اشتراه بما يقارب نصف قيمته السوقية؟ هذا بالفعل ما حدث، دفع الملكي 31 مليونا فقط حينما كانت قيمة إدواردو 55 مليونا. اللاعب الوحيد الذي دفع فيه الريال أكثر من قيمته هو تشواميني (80 مليونا مقابل قيمته 60).
برشلونة أيضا قام بعمل لا يصدق في الميركاتو الأخير، فبخلاف صفقاته المجانية، فقد دفع في ليفاندوفسكي قيمته السوقية العادلة (45 مليونا)، وجلب جوليس كوندي بأقل من قيمته السوقية، بينما دفع فقط في رافينيا أكثر قليلا من قيمته السوقية.
ولكن دعنا نلقي نظرة على مواهب ريال مدريد وبرشلونة، لنرى دقة التخطيط لدى الناديين، فالميرينجي أنجز صفقة فينيسيوس قبل سنوات مقابل 45 مليون يورو فقط، والآن تبلغ قيمة اللاعب السوقية 150 مليونا، ورودريجو أيضا جاء إلى مدريد مقابل 40 مليونا فقط، فيما تبلغ قيمته اليوم 100 مليون، وفالفيردي أيضا تبلغ قيمته 100 مليون، ولكن الريال اشتراه من بينارول في 2016 مقابل 5 ملايين فقط!
نفس الملايين الخمسة دفعها برشلونة مقابل انتداب رونالد أراوخو، الذي بلغت قيمته السوقية الآن 70 مليون يورو، ولنا أن نتخيل موهبة مثل بيدري، جاء إلى برشلونة من لاس بالماس مقابل 17 مليونا فقط، ووصلت قيمته الآن في سوق الانتقالات إلى 100 مليون يورو!